آخر الأخبار

مقالات

Memuat...

الخطب المنبرية

أقلام دعوية

التسجيلات المرئية

التسجيلات الصوتية

الاثنين، 4 أبريل 2016

مكانة الصلاة الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر

مكانة الصلاة


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًّا إلا حذّرها منه، ترك أمته على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعده إلا هالك، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:
معاشر المؤمنين، عباد الله، اتقوا الله، فإنَّ من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.

عباد الله:
مرّ معنا قريبًا ذِكرُ نبأ كبرى الفواجع وعُظْمى المصائب، يوم مات النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم توفِّي سيد ولد آدم إمام الهداة، وداعية الحقِّ والهدى، وسيد ولد آدم - صلوات الله وسلامه عليه - وهي مصيبةٌ عظيمة الجلَل؛ يقول - صلى الله عليه وسلم - في بيان عظم هذه المصيبة، وكبر شأنها: ((مَن أصيب بمصيبة، فليتذكر مصيبته بي، فإنها أكبر المصائب))، نعم - عباد الله - إن أكبر المصائب وأجلَّها وأعظمها وأشدها، هو مصيبة الأمة بفقد النبي الكريم - عليه الصلاة والسلام - بوفاة النبي الكريم - عليه الصلاة والسلام - الذي منّ الله على الأمة ببعثته، وكان دليلهم إلى الجنة، وقائدهم إلى كل فضيلة وإمامهم في كل خير؛﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21].

عباد الله:
وهذا الحدث العظيم فيه عبر كثيرة، ودروس عديدة ينبغي أن يقف عندها عبادُ الله المؤمنون، وقد مر معنا شيء من هذه الدروس، وهذه وقفة أخرى - عبادَ الله - مع درس عظيم وعبرة مؤثرة من هذا الحدث العظيم والمصاب الجلل، لقد كانت آخر صلاة صلاها نبيُّنا - عليه الصلاة والسلام - هي صلاة الظهر من يوم الخميس، ثم إنه - عليه الصلاة والسلام - اشتدَّ به الوجع، فبقي أيَّامًا ثلاثة لا يتمكن من الخروج إلى الصلاة من شدة الوجع، وهي يوم الجمعة والسبت والأحد، وكان ينوب عنه في الصلاة وإمامة المسلمين أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - وأرضاه، وتأملوا معي - عباد الله - في هذه الوقفة العظيمة ما رواه البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كان يؤمُّ الناس في وجع النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي توفِّي فيه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - حتى إذا كانت صبيحة يوم الاثنين وهو اليوم الذي توفِّي فيه - عليه الصلاة والسلام - وكان الناس صفوفًا في المسجد يؤمهم أبو بكر - رضي الله عنه - فلما كانوا على هذه الحال، كشف النبي - عليه الصلاة والسلام - ستر الحجرة، وكانت حجرته - صلى الله عليه وسلم - ملاصقة للمسجد، ونافذتها مُطلَّة عليه، فكشف - عليه الصلاة والسلام - ستر الحجرة؛ قال أنس - رضي الله عنه -: كشف - عليه الصلاة والسلام - ستر الحجرة، ونظر إلينا، فلمَّا رأى الناس صفوفًا جماعة في المسجد، خلف أبي بكر الصديق - رضي الله عنهم أجمعين - تبسَّم - عليه الصلاة والسلام - تبسم وضحك، يقول أنس - رضي الله عنه -: نظر إلينا وكأنَّ وجهه ورقة مصحف؛ أي: من جماله وبهائه وحسنه ووضاءته، نظر إليهم وكأن وجهه ورقة مصحف، يقول أنس - رضي الله عنه -: فكِدْنا نُفْتَتن في صلاتنا؛ أي: نخرج منها من شدة فرحهم برؤية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وظنوا أنه - صلى الله عليه وسلم - خارج إلى الصلاة، ولهذا نكص أبو بكر - رضي الله عنه - إلى الوراء ليتمَّ الصف، ظن أن النبي - عليه الصلاة والسلام - خارج إلى الصلاة، فأشار - عليه الصلاة والسلام - فأشار إليهم أن أتموا صلاتكم، وأرخى الستر وتوفي من صبيحة هذا اليوم.

معاشر المؤمنين، معاشر أمّةِ الإسلام، معاشر أمة محمد - عليه الصلاة والسلام - قفوا هنا متأمِّلين ومتعظين ومعتبرين، فها هو نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - كما في هذه الرواية وهي في صحيح الإمام البخاري، ينظر إلى أمته في المسجد نظرة وداع، ينظر نظرة هي قُرّة عين له -عليه الصلاة والسلام - فقد كانت الصلاة قرة عينه - عليه الصلاة والسلام - وقد أقرَّ الله عينَه في صبيحة وفاته بأن رأى أمَّته مجتمعين في المسجد على هذه الصلاة، تبسم وضحك - عليه الصلاة والسلام - تبسم وضحك، إنه تبسمُ فرح وسرور، وضحك أُنس وفرح؛ لرؤيته لأمته مجتمعة في المسجد على هذه الصلاة، وأرخى الستر - عليه الصلاة والسلام - قرير العين بهذا المنظر المفرح والصورة المبهجة، أمةِ الإسلام، أمة محمد - عليه الصلاة والسلام - مجتمعة في المسجد تصلِّي، أقرَّ الله عين نبيِّه - صلوات الله وسلامه عليه - بهذه الصورة البهيجة، والحالة المفرحة، تبسم وضحك - عليه الصلاة والسلام - تبسَّم فرح وضحك سرور، وقرت عينُه بهذا المنظر البهيج، ولم يكن الأمر في شأن الصلاة متوقِّفًا على هذا الحد في أيامه الأخيرة، ولحظاته الأخيرة - عليه الصلاة والسلام - يقول علي - رضي الله عنه - كما روى ذلك الإمام أحمد في المسند بسند ثابت، يقول علي - رضي الله عنه -: "كان آخر كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الصلاة واتقوا الله فيما ملكت أيمانكم"، بل جاء ما هو أبلغ من هذا فيما رواه ابن ماجه في سننه بسند ثابت عن أنس، وجاء أيضًا من رواية أم سَلَمَة - رضي الله عنهما - يقول أنس - رضي الله عنه -: "كان عامّة وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل موته: الصلاة الصلاة، واتقوا الله فيما ملكت أيمانكم"، قال أنس :"وكان يغرغر بها - صلى الله عليه وسلم - في صدره ما يُفصح بها لسانه"؛ أي: من شدة ما به من وجع، وهو يكرر الوصية بالصلاة.

هذا - عباد الله - يدلنا على عظم مكانة الصلاة في الإسلام، ووصية نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - بها، ومن يقرأ أحاديثه الشريفة، ووصاياه المنيفة في حياته كلها، يدرك قيمة الصلاة ومكانتها في الإسلام، وقد كان من شأن هذه الصلاة ومكانتها، أنها خُصّت من بين فرائض الإسلام وعموم الطاعات، أن الله - تبارك وتعالى - عُرِج بنبيِّه إلى السماء، إلى فوق السماء السابعة، وفرض عليه الصلاة من فوق سبع سماوات، يسمع ذلك يسمع الأمر بها من الله - تبارك وتعالى - فرضت عليه خمسين صلاة، وسأل الله - جلّ وعلا - أن يخففها فخففت إلى خمس صلوات، فكانت خمس صلوات بالعدد، وخمسين في الثواب والأجر، عرج به - عليه الصلاة والسلام - إلى السماء، وفُرضت عليه هذه الصلاة من فوق سبع سماوات، بينما عموم الطاعات وجميع الفرائض والعبادات، ينزل إليه جبريل إلى الأرض، ويأمره ويبين له ويوحي إليه، فهذا - عباد الله - يبيِّن لنا مكانة الصلاة.

ومن أسف أن بلغ الحال ببعض الناس أن جعلوا ليلة الإسراء والمعراج ليلة احتفال، يقرؤون فيها القصائد، وينشدون فيها الأراجيز، من الذي أمرهم بهذا؟ ومن الذي دعاهم لهذا؟ أين هم من شأن المعراج، وما جاء فيه من عبرة عظيمة، ومن أمر جسيم بالمحافظة على هذه الصلاة؟ فترى في بعضهم تهاونا في هذه الصلاة، واستهانة بها لكنه لا يفوت هذا الاحتفال، أو نحوه من الاحتفالات المحدثة، أين أمة الإسلام من حقيقة الاتباع، وحقيقة الاقتداء، وحقيقة التَّأسِّي برسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ أين أمة الإسلام من هذه الصلاة؟ وأين أمة الإسلام من تبسم النبي - صلى الله عليه وسلم - وضحكه وقرة عينه برؤية أمته مجتمعة على هذه الصلاة؟ إنَّ المحب حقًّا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يترجم هذه المحبة ويعبِّر عنها باتباع صادق، واقتداء تام وتأسٍّ بهَدْيه، واتباع لسنته - عليه الصلاة والسلام - فليست الترجمة والتعبير عن محبّة النبي - عليه الصلاة والسلام - تكون بإقامة احتفالات أو إحداث مواسم أو نحو ذلك، مما ابُتلي به بعض الناس زعمًا منهم أن هذا من المحبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - والله ثم والله لو كان هذا من المحبة حقًّا، ومن الإتباع صِدْقًا، لكان أسبق الناس إليه الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان، لكن الصحابة - رضي الله عنهم - ومن اتبعهم بإحسان، لم يفعلوا من ذلك شيئًا، وإنما كان فعلهم اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وتأسِّيًا بسنته ولزومًا لهَدْيه.

عباد الله:
الصلاة الصلاة، وصية نبيِّكم - عليه الصلاة والسلام - وهي من آخر ما سُمِع منه - عليه الصلاة والسلام - أيها المحبُّون للنبي - عليه الصلاة والسلام - الصّلاة الصلاة، فهي وصيته لكم، وعهده إليكم؛ جاء في المسند للإمام أحمد بإسناد جيِّد، أن الصّلاة ذُكرت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - يومًا، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((مَن حافظ عليها، كانت له نورًا وبرهانًا، ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة، وحُشِر مع قارون وفرعون، وهامان وأُبَي بن خلف))؛ أي إن تارك الصلاة غير المحافظ عليها، يحشر يوم القيامة مع صناديد الكفر وأعمدة الباطل، عياذًا بالله من ذلك، وجاء في صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بين الرجل وبين الشرك والكفر، ترك الصلاة))، وجاء في المسند عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر))، وجاء في صحيح البخاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((مَن صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم له ما لنا وعليه ما علينا))، والأحاديث في هذا الباب كثيرة.

فاتقوا الله - معاشر المؤمنين - اتقوا الله - جلّ وعلا - اتقوا الله أتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومحبيه، اتقوا الله - جلّ وعلا - في هذه الوصية، وتذكّروا قوله - عليه الصلاة والسلام - في لحظاته الأخيرة وأيامه الأخيرة، وفي توديعه هذه الحياة وهو يكرر: ((الصلاة الصلاة))، جعلنا الله - عزّ وجل - وإياكم من المقيمين الصلاة، ومن المتبعين للنبي - صلى الله عليه وسلم - اللهم احشرنا في زُمْرته وتحت لوائه، ووفقنا لاتباعه يا ذا الجلال والإكرام، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

عباد الله:
وصورة أخرى تبيِّن لنا مكانة الصلاة، وعظيم شأنها وشدة عناية الصحابة - رضي الله عنهم - بها، وذلك فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "مَن سره أن يلقى الله غدًا مؤمنًا، فليحافظ على هؤلاء الصلوات؛ حيث ينادى بهن، فإنهن من سنن الهدى، وإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإن تركتم سنة نبيِّكم فقد ضللتم، ولو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من عبد يتطهر في بيته ويعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ورفعه بها درجة وحطَّ عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا؛ أي: أصحاب النبي - عليه الصلاة والسلام- وما يتخلف عنها؛ أي: عن الصلاة في المساجد، وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرّجلين حتى يقام في الصّف".

تأمَّلوا هذه الصورة المشرقة، والحال المشرِّفة التي كان عليها الصحابة الكرام؛ حيث وعوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - سنته، وفهموا وصيته وحقّقوا اتباعه والاقتداء به، فكان الرجل منهم يؤتى به يهادى بين الرجلين، يساعده رجلان عن يمينه وعن شماله حتى يقام في الصف، بينما الواقع في حال كثير من الناس، ممن خفّ ميزان الصلاة عنده، يشغله عنها أدنى الأمور وأتفهها، ألا فلنتق الله - عباد الله - ألا فلنتق الله في هذه الصلاة محافظة عليها، وإقامة لها ورعاية لأركانها وشروطها وواجباته، فإنها أولُ ما يُسأَل عليه العبد يوم القيامة، فإذا قبلت قبل سائر عمله، وإذا ردّت رد سائر عمله؛ كما الحديث في هذا المعنى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

والكَيِّس - عباد الله - من دانَ نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنَّى على الله الأماني.

وصلوا وسلموا - رعاكم الله - على محمد بن عبدالله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب : 56]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن صلى علي واحدة، صلى الله عليه بها عشرًا)).


اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، اللهم وعليك بأعداء الدين؛ فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.

اللهم أمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما تحب وترضى، ربنا اجعلنا من المقيمين الصلاة، ربنا اجعلنا من المقيمين الصلاة، ومن ذريتنا يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اجعلنا من المقيمين الصلاة، ومن ذريتنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفقنا للمحافظة عليها والعناية بها يا حي يا قيُّوم، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، والمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات؛ الأحياء منهم والأموات.

اللهم اغفر ذنوب المذنبين من المسلمين، وتُب على التائبين، ووفقنا للتوبة أجمعين، اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين.

اللهم وارفع عنا الغلاء والوباء والزلال والمحن، والفتن كلها؛ ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا ذا الجلال والإكرام.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنَا عذاب النار، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، وديارنا بالمطر، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


الصلاة ومكانتها في الإسلام د. أمين بن عبدالله الشقاوي

الصلاة ومكانتها في الإسلام د. أمين بن عبدالله الشقاوي   

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فقد عظَّم الإسلام شأنَ الصلاة، ورفع ذِكرَها، وأعلى مكانتَها، فهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان))[1].

والصلاة هي أول ما يُسأل عنه العبدُ يوم القيامة، عن عبدالله بن قرط - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أول ما يُحاسب به العبدُ يومَ القيامةِ الصلاةُ، فإنْ صلحتْ، صلح سائرُ عمله، وإن فسَدَتْ، فَسَدَ سائِرُ عمله))[2].

والصلاة هي الفارق بين المسلم والكافر؛ قال - تعالى -: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [التوبة: 11].

عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بين الرجلِ وبين الشركِ والكفرِ تركُ الصلاةِ))[3].

والصلاة حاجز بين العبد والمعاصي؛ قال - تعالى -: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45].

وكان من آخر وصايا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يعالج سكراتِ الموت: ((الصلاةَ الصلاةَ، وما ملكتْ أيمانُكم))[4].

ولها فضائل عظيمة:
منها: أنها كَفَّارةٌ للخطايا والذنوب، قال - تعالى -: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114].

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدِكم يغتسلُ منه كلَّ يوم خمسَ مرات، هل يبقى مِن درنه شيءٌ؟))، قالوا: "لا يبقى من درنه شيء"، قال: ((فذلك مثل الصلوات الخمس، يَمْحُو اللهُ بهن الخطايا))[5].

ومنها: أن هذه الصلاة نور للعبد، عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الطهور شطرُ الإيمان، والحمد لله تملأ الميزانَ، وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السموات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حُجة لك أو عليك، كلُّ الناس يغدو فبائعٌ نفسَه، فمعتِقُها أو مُوبقُها))[6].

ومنها: أن المسلم يبلغ بالصلاة والزكاة والصيامِ مقامَ الصدِّيقين والشهداء؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: كان رجلانِ من بني قضاعة أسلما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستشهد أحدهما، وأُخِّر الآخرُ سَنةً، قال طلحة بن عبيدالله: فأُريتُ الجنةَ، فرأيتُ فيها المؤخَّرَ منهما أُدْخِلَ قبل الشهيد، فعجبتُ لذلك، فأصبحت فذَكرتُ ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو ذُكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أليس قد صام بعده رمضان، وصلى ستة آلاف ركعة، أو كذا وكذا ركعة صلاة السنة؟))[7].

والصلاة يجب أن تؤدَّى في أوقاتها المحددة شرعًا؛ قال - تعالى -: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103].
قال البخاري: موقتًا وقته عليهم.

وأداء الصلاة في وقتها من أحبِّ الأعمال إلى الله؛ عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألتُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: ((الصلاة على وقتها))، قال: ثم أي؟ قال: ((ثم بر الوالدين))، قال: ثم أي؟ قال: ((الجهادُ في سبيلِ الله))[8].

ومما جاء في التَّرْهِيبِ من تأخير الصلاة عن وقتها، حديثُ رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - الطويلُ، وجاء فيه: ((أتاني الليلةَ آتيانِ، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقتُ معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخرُ قائمٌ عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر ها هنا، فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به في المرة الأولى، ثم قالا له: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن، فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة))[9].
وهذه الصلاة يجب أن تؤدَّى في بيوت الله - عز وجل - قال - تعالى -: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 102].

فبيَّنت الآية وجوبَ صلاة الجماعة في حال الحرب، ففي حال السلم من باب أولى.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاةُ العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتَوهما ولو حبوًا، ولقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتُقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار))[10].

قال بعض أهل العلم: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما همَّ بذلك إلا أن هؤلاء المتخلفين قد ارتكبوا ذنبًا عظيمًا.

وجاء في ذِكر السبعة الذين يظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظل إلا ظله: ((ورجلٌ قلبُه معلَّق بالمساجد))[11]، والمساجد بيوت الله، مَن دخلها فقد حلَّ ضيفًا على ربه، فلا قلب أطيب، ولا نفس أسعد من ضيف حلَّ على ربِّه في بيته وتحت رعايته، عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((المسجد بيتُ كل تقيٍّ، وتكفَّل الله لمن كان المسجد بيتَه بالروح والرحمة والجواز على الصراط، إلى رضوان الله إلى الجنة))[12]
وهذه الضيافة تكون في الدُّنيا بما يحصل في قلوبهم من الاطمئنان والسعادة والراحة، وفي الآخرة بما أعد لهم منَ الكرامة والنعيم.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المادة باللغة الإنجليزية
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] "صحيح البخاري" (1/20)، رقم: (8)، و"صحيح مسلم" (1/45)، رقم: (16).
[2] رواه الطبراني في "الأوسط" (2/240)، برقم: (1859)، وصححه الشيخ الألباني - رحمه الله - في "الصحيحة"، برقم: (1358).
[3] "صحيح مسلم" (1/88)، برقم: (82).
[4] "سنن ابن ماجه" (2/900)، برقم: (2697).
[5] "صحيح البخاري" (1/184)، برقم: (528)، و"صحيح مسلم" (1/463)، برقم: (667).
[6] "صحيح مسلم" (1/203)، برقم: (223).
[7] "مسند الإمام أحمد" (2/333).
[8] "صحيح البخاري" (1/184)، برقم: (527)، و"صحيح مسلم" (1/89)، برقم: (85).
[9] "صحيح البخاري" (4/311)، برقم: (7047).
[10] "صحيح البخاري" (1/218)، برقم: (657)، و"صحيح مسلم" (1/451)، برقم: (252).
[11] "صحيح البخاري" (1/219)، برقم: (660)، و"صحيح مسلم" (2/715)، برقم: (1031).
[12] الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" (6/254)، برقم: (6143)، قال المنذري في كتابه "الترغيب والترهيب" (1/298): "رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" والبزار، وقال: إسناده حسن، وهو كما قال - رحمه الله". ا. هـ.
وحسنه الألباني - رحمه الله - في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/253)، برقم: (330).

خواطر حول الصلاة (2) الصلاة رحلة عبر الزمن

خواطر حول الصلاة (2)

الصلاة رحلة عبر الزمن


أجمل ما في الصلاة أنها رحلة جميلة عبر الزمن، نحلُّ معه ونرتحل، نشهد تقلباته، ونشاهد تغيراته، فنرى فيها مظاهر القدرة الإلهية البديعة باديةً في صفحات هذا الكون الفسيح!

لكن الحياة المعاصرة بضوضائها وضجيجها، وزخارفها وزينتها - أفقدتنا الشعورَ الجميل بتقلبات الزمن، ورؤية آيات انقلاب الليل والنهار، التي تذكرنا بالموت والحياة! وضمر في نفوسنا هذا الإحساسُ رغم أهميته في التنبُّهِ إلى عظمة الله وبديع صُنعه، وربما كان سبب ذلك إلفَنا لها، واعتيادنا لمشاهدتها، أو اعتمادنا على الساعات، على الرغم من أنها مفيدة في تنظيم أوقاتنا، وضبط حركاتنا!

ولعلَّ من الحِكَم في ارتباط الصلاة بهذه الأوقات: إحياء لهذا الشعور الضامر، وردًّا إلى فطرةِ الحياة كلما حاول الشيطان أن يبعدَنا عنها! وصدق الله القائل: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103].

وهذه الرحلةُ تمرُّ بعشرين محطة، عبر الليل والنهار، أشار إليها الحق سبحانه في كتابه، لكن أهمها خمسة، وسنمر على الأزمنة الباقية من خلالها.

أولاً: تبدأ هذه الرحلة في وقت الفجر؛ وذلك لأنَّ طلوع الفجر آية، وشهود هذه الآية يدفعُنا أن ننهض مسرعين لنقف بين يدَيْ من أبداها سبحانه، معظِّمين لجلاله في صلاة الفجر، أليس قد قال الله تعالى: ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [الإسراء: 78]؟

ثم نحط رحالنا بين يديه في غداة جميلة، وبكور مبارك، لنشهد الصبح وهو يتنفَّس، ونشاهد الإسفار الذي يسفر عن ضوء النهار.

في هذه الساعة المباركة من أول النهار نجلس كما جلس النبي صلى الله عليه وسلم، وندعو ربنا بما كان يدعوه، ونذكُرُه بما كان يذكره ويسبِّحه؛ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴾ [ق: 39].

ثم نشهد أجمل منظر وأبهاه: إنها لحظات الإشراق! لحظة انتشار أشعة الشمس على صفحات الكون.

وعندما يكتملُ الانتشار، نقوم لنؤدِّيَ واجب التعظيم في سنَّة صلاة الضحى، وهذه الصلاة من سُنَن المرسلين، أليس قد قال الله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ ﴾ [ص: 17، 18]؟

قال ابن عباس: كنت أمرُّ بهذه الآية: ﴿ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ ﴾ [ص: 18]، ولا أدري ما هي، حتى حدَّثتني أمُّ هانئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها، فدعا بوَضوء فتوضَّأ، ثم صلَّى صلاة الضحى.."[1].

ثانيًا: وهكذا تجري الشمس، ونقوم نحن إلى شؤون حياتنا، فما نشعر بها إلا وقد وصَلَت إلى قبة السماء، وهذا إيذانٌ بانتصاف النهار، وما أن تميل أدنى الميل - وميلها هذا آيةٌ من آياته - حتى ننهَضَ لنقفَ بين يدَيْ مَن أظهرها في صلاة الظُّهر.

وهذا الميل يقترن به حدث مهم، حدثنا عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: ((أربَعٌ قبل الظُّهْرِ ليس فيهنَّ تسليمٌ، تُفتحُ لهنَّ أبوابُ السَّمَاءِ))[2].

وهذه الأربع هي سنَّة الظُّهر التي سنها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الزمن المبارك.

ثالثًا: ثم تجري الشمس، وتدلك دلوكًا، وتميل ميلاً إلى أن يبلغ ظلها: ظل الشيء مثله أو مثليه في الربع الثاني من منتصف النهار، فنقوم إلى صلاة العصر، نتفيَّأ في هذه الظلال رحماتِ الله تعالى، ونقف لنصلي قبل الفريضة سنَّة العصر التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((رَحِمَ اللهُ امرأً صلَّى قبل العصرِ أربعًا))[3].

وزمن العصر هو الطرفُ الثاني من النهار، كما جاء في التنزيل: ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ﴾ [هود: 114]، وفيه تجتمع الملائكة؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((يتعاقبونَ فيكم ملائكةٌ بالليلِ وملائكةٌ بالنهارِ، ويجتمعون في صلاةِ العصرِ وصلاةِ الفجرِ، ثم يعرجُ الذين باتوا فيكم، فيسألُهم، وهو أعلمُ بكم، فيقول: كيف تركتُم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يُصلُّونَ، وأتيناهم وهم يُصلُّونَ))[4].

وهو زمن الأُفول، ويبدأ ضوءُها بالخفوت، ليوصف بالعشيِّ، أليس قد قال الله تعالى: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ﴾ [غافر: 55]؟

وهكذا تجري نحوَ الغروب، ومنه تبدأ الشمس رحلة النهاية، وتبدأ بنَسْج خيوطها الذهبية على الجدران والأشجار، وهنا توصف بأنها شمس الأصيل، أليس قد قال الله تعالى: ﴿ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 42]؟

إن وقتَ الغروب لا يقلُّ جمالاً وبهاءً عن وقت الشروق، وهو مشهدٌ يتجلَّى فيه خضوع الشمس بعد عزها، وانكسارُها بعد تألقها، وهذا الخضوع هو نوع من السجود لله سبحانه، أليس قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا ذَرٍّ، أتدري أينَ تغرُبُ الشمسُ؟))، قلت: اللهُ ورسولُه أعلم، قال: ((فإنها تَذهَبُ حتى تَسجُدَ تحتَ العرشِ، فذلك قولُه تعالى: ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [يس: 38]))؟[5].

إن هذا التغيُّر هو آيةٌ من آيات الله سبحانه، ومظهر من مظاهر قدرته، تدعونا إلى تسبيح الله تعالى؛ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴾ [ق: 39].

رابعًا: إن لحظةَ الغروب آية تتجلى في الآفاق، وهي تدعونا لنقفَ بعده بين يدي الله تعالى في صلاة المغرب.

لقد غابت الشمس عن أفقنا، وهي في غروبها هذا تأبى إلا أن تسعدنا بلون آخر من ألوانها البديعة، ألا وهو ظهور نوع من أنواع الشفق الذي أقسم الله به عندما قال: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ ﴾ [الانشقاق: 16]، وهو قسَمٌ يشير إلى أهميته وعظَمته.

وهكذا غابت الشمس، وبغروبها دخل الليل وحلَّ المساء، وفي المساء أدعيةٌ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بها، وأذكار يذكر بها اسم ربه، فما أجملَ أن تقوم في هذا المقام الكريم بمثل ما قام به النبيُّ صلى الله عليه وسلم!

خامسًا: ثم يظهر الشَّفَق الأحمر، وما دام هذا الشفق ظاهرًا مرئيًّا، فالوقت وقت المغرب، فإذا غاب حلَّ الظلامُ، وبغيابه دخل وقت صلاة العشاء الآخرة، وهي آخرُ أعمال العبادة قبل أن نستسلم إلى النوم العميق.

والزمن الذي يستغرق العِشاءَين: المغرب والعشاء وصفه الله بـ غسق الليل، بقوله: ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ﴾ [الإسراء: 78].

ولكنْ لليل وظائفُ متعددة غير النوم، ومن أهم وظائفه: التهجُّد في الثُّلث الأخير من الليل، وهو وقت الأسحار، أليس قد قال الله تعالى: ﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18]؟

فما أجملَ أن نحطَّ رحالَنا بين يديه في ذلك الوقت المبارَك والناس نائمون!

في وقت ينزل فيه ربُّنا - تبارك وتعالى - إلى السماء الدنيا، فيقول: ((مَن يدعوني فأستجيبَ له، مَن يسألُني فأعطيَه، من يستغفرني فأغفرَ له))[6].

والتهجُّد من سُنن الأنبياء والصالحين من عباده، يدفعهم حبُّهم لربهم إلى هجرِ المضاجع، والقيام بين يديه، وقد أخبَر عنهم الحق بقوله: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ [السجدة: 16، 17].

وهكذا تنتهي هذه الرحلةُ المباركة، وأجمل ما فيها أننا نتحرَّى ذِكر الله، وتسبيحه وتعظيمه، والسجود بين يديه في هذه الأزمنة المتعاقبة، ونجري في عبادتنا لله كجري الشمس والكواكب وغيرها من خَلق الله تعالى.

إن الشعور الذي ينتابنا في هذه اللحظات له نكهة خاصة، لا يتذوقُها إلا مَن عرف الله حق معرفته، وملأ قلبه بتعظيمه والخشية منه، وما مثله إلا كمثل العاشق الولهان الذي ينتظر ساعةَ الوصال، ويترقب لحظة اللقاء على أحرَّ مِن الجمر!

إن هذه الأزمنة بألوانها المختلفة، وأطيافها المتنوعة: بمثابة أعراس الكون، ومواسمه المبارَكة، وقد كرَّم الله تعالى هذا الإنسان، فأذِن له بحضور هذه الأعراس والمواسم! ولكن أهمها وأعظمها ظهورًا هي أوقاتُ الصلوات الخمس المفروضة!

وزاد من حسنها، وبهائها: طريقة الإعلام بها، وهو الأذان، الذي هو بمثابة نشيد الإسلام، تصدح به الحناجر، ويتردد صداه في الآفاق!

فما أجمله من نداء، لا سيما وأنت تستشعر أن ملِك الملوك يدعوك لزيارته!

وهو يبدأ بـ كلمة عظيمة: الله أكبر، وتعني: أن اللهَ أكبرُ من أن نعرف كُنْهَ كبريائه وعظمته، وأكبر من أن ينسب إليه ما لا يليق بجلاله، أو أكبر من كل شيء، وفي ذلك إشارة إلى ترك كل ما أنت فيه، والإسراع في إجابة النداء!


[1] أخرجه الطبراني في الأوسط (4246)، واللفظ له، وقال الهيثمي 7/99: "وفيه: أبو بكر الهذلي، وهو ضعيف"، وقال أيضًا (2/ 282): "قلت: هو في الصحيح بغير سياقه"، لكن أخرجه الحاكمُ في مستدركه (4/53) من طريق آخر، وصححه، ووافقه الذهبي، وفيه: قال ابن عباس: "هذه صلاةُ الإشراق"، هذا ما يتعلق بوقتِ الإشراق، أما بخصوص صلاةِ الضُّحى، فقد وردت أحاديثُ كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضلها، وهي من السُّنن المندوبة عند جمهور الفقهاء.
[2] أخرجه أبو داود (1270) عن أبي أيوب الأنصاري، وقال شُعيب الأرناؤوط (2/449): "حسن لغيره".
[3] أخرجه أبو داود (1271) والترمذي (430) عن ابن عمر رضي الله عنهما، وحسَّنه الترمذي.
[4] أخرجه البخاري (٧٤٢٩).
[5] أخرجه البخاري برقم: (4802).
[6] رواهالبخاري (7056)، ومسلم في صحيحه برقم: (758).


شرح حديث إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة

شرح حديث

إن بين الرجل وبين الشرك والكفر

ترك الصلاة


عن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن بين الرجل وبين الشرك والكفر: تركَ الصلاة))؛ رواه مسلم.

أولًا: ترجمة راوي الحديث:
جابر بن عبدالله - رضي الله عنه وأرضاه - تقدمت ترجمته في الحديث الخامس من كتاب الإيمان.

ثانيًا: تخريج الحديث:
الحديث أخرجه مسلم حديث (82)، وانفرد به عن البخاري، وأخرجه الترمذي في "كتاب الإيمان" "باب ما جاء في ترك الصلاة" بلفظ: (بين الكفر والإيمان ترك الصلاة)، وأخرجه النسائي في "كتاب الصلاة" "باب الحكم في تارك الصلاة" حديث (463).

ثالثًا: شرح ألفاظ الحديث:
(بين الرجل)؛ أي: بين المسلم، رجلاً كان أو امرأة.

(وبين الشرك والكفر)؛ أي: بينه وبين أن يصل إلى الشرك والكفر.

والشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد، وقد يفرق بينهما، فيكون الكفر أعمَّ من الشرك؛ إذ إن الشرك يختص بعبادة غير الله تعالى مع الله تعالى من المخلوقات - كالأوثان وغيرها - مع الاعتراف بالله تعالى، كما فعل كفار قريش.

(ترك الصلاة)؛ أي: الصلوات الخمس.

رابعًا: من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى:
استدل بحديث الباب مَن قال بكفر تارك الصلاة تهاونًا وكسلاً، وفي المسألة تفصيل وخلاف.

أما التفصيل فإن تارك الصلاة لا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يتركها جاحدًا لوجوبها.
فهذا كافر بإجماع المسلمين، حتى لو صلى وهو جاحد لوجوبها فهو كافر، ويستثنى من ذلك من كان حديث عهد بكفر، وجحد وجوبها، فإنه لا يكفر حتى يرتفع عنه الجهل؛ [انظر: المجموع (3/ 14)، وانظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (10/ 434) و(20/ 98،97)، والعدة شرح العمدة ص (70)].

الحال الثانية: أن يتركها تهاونًا وكسلاً، فهذه التي فيها الخلاف:
القول الأول: أنه لا يكفر، وبه قال جماعة من أهل العلم، منهم أبو حنيفة وأصحابه، ومالك وجماعة من أهل الكوفة، وسفيان الثوري، والمزني (صاحب الشافعي)، ونسبه بعضهم إلى الجمهور؛ [انظر: المجموع (3/ 15)، ومقدمات ابن رشد (1/ 25)].

واستدلوا:
1. حديث عبادة بن الصامت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، مَن حافظ عليهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذَّبه، وإن شاء أدخله الجنة))؛ رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد.

ووجه الدلالة: أنه جعل غير المحافظ تحت المشيئة، وهذا دليل على أنه لا يكفر؛ لأن الكافر لا يكون تحت المشيئة، ونوقش هذا الاستدلال: بأن الحديث في بيان غير المحافظ على الصلوات، لا التارك لها، فلا يصح الاستدلال به.

2. استدلوا بعموم الأدلة في دخول من (قال: لا إله إلا الله) الجنة؛ كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48]، وحديث أبي ذر قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة))؛ متفق عليه، وحديث أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صدقًا من قلبه - إلا حرَّمه الله على النار))؛ متفق عليه، ولهم أدلة أخرى نحو هذه العمومات.

ونوقشت: بأنها من الأدلة العامة المخصوصة بكفر تارك الصلاة - كما سيأتي.

والقول الثاني: أنه يكفر، وهي الرواية المشهورة عن الإمام أحمد، وهو ما نص عليه جماهير أصحابه، وهو أحد قولي الشافعي، كما ذكر ابن القيم؛[انظر: الإنصاف (1/ 403)، وطبقات الحنابلة (1/ 27)].

واستدلوا:
1. بقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ﴾ [التوبة: 11]، ووجه الدلالة: أن الآية دلت على أنهم إذا تابوا من الشرك، ولم يقيموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة، فليسوا بإخوة لنا، ولا يمكن نفي الأخوة إلا بخروج الإنسان من الدين كله، ويستثنى من الآية تارك الزكاة، فلا يكفر بتركه الزكاة تهاونًا على الصحيح؛ لحديث أبي هريرة مرفوعًا: ((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره... ثم يرى سبيله إما إلى الجنة أو النار))؛ رواه مسلم، ولو كان يكفر بترك الزكاة لم يكن له سبيل إلى الجنة.

2. حديث الباب: ((إن بين الرجل وبين الشرك والكفر تركَ الصلاة)).
ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصلاة فيصلاً بين بقاء العبد على إسلامه وبين خروجه إلى الشرك والكفر.

ونوقش هذا الاستدلال: بأن الكفر المراد في الحديث ليس الكفر المخرج من الملة، وإنما هو كفر دون كفر، كالأحاديث السابقة؛ حديث أبي هريرة: ((اثنتان في الناس هما بهم كفر؛ الطعن في النسب، والنياحة على الميت))؛ رواه مسلم، وحديث ابن مسعود: ((سِباب المسلم فسوقٌ وقتاله كفر))؛ متفق عليه، ونحوهما من الأحاديث التي يقطع بأن المراد بالكفر فيها أنه ليس هو المُخرجَ من ملة الإسلام، وكذلك يقال في حديث الباب.

وردت هذه المناقشة: بأن حمل الحديث على كفر دون كفر ضعيف؛ لأربعة وجوه:
أولًا: وجود الفارق بين اللفظين؛ ففرق بين لفظ (كفر) كالأحاديث السابقة، ولفظ (الكفر) الذي في حديث الباب؛ فقد جاء معرفًا بـ: (أل) التي تفيد حقيقة الكفر، بخلاف (كفر) التي تفيد أن هذا العمل كفرٌ، ولا يعد صاحبه كافرًا حتى تقوم حقيقة الكفر، كما أنه ليس كل من قام بشُعبة من شعب الإيمان يصير بها مؤمنًا حتى يقوم به حقيقة الإيمان، وبنحو هذا أشار شيخ الإسلام ابن تيمية؛ [انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 208)].

ثانيًا: أن الصلاة ركن من أركان الدين، وبناءً عليه فوصف تاركها بالكفر يقتضي أنه الكفر المخرج من الملة؛ لأنه هدم لركن من أركان الدين، بخلاف إطلاق الكفر على من فعل فعلاً من أفعال الكفار.

ثالثًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصلاة في حديث الباب حدًّا فاصلاً بين الكفر والإيمان، وهذا يمنع من حمل اللفظ على كفر دون كفر، ويؤيد ذلك لفظ الترمذي؛ حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بين الكفر والإيمان: تركُ الصلاة)).

وعند أبي يعلى بلفظ: ((ليس بين العبد وبين تركِه الإيمانَ: إلا تركُه الصلاةَ)).

رابعًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم عطف الكفر على الشرك؛ لتأكيد كونه كفرًا مخرجًا من الملة.

3. حديث بريدة قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فمن تركها فقد كفر))؛ رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

4. حديث أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ستكون أمراءُ، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف بَرِئ، ومن أنكر سَلِم، ولكن من رضي وتابع))، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: ((لا، ما صلَّوْا))؛ رواه مسلم، وفي حديث عوف بن مالك: أفلا ننابذهم؟ قال: ((لا، ما أقاموا فيكم الصلاة))؛ رواه مسلم، وفي حديث عبادة: وألا ننازع الأمر أهله، قال: ((إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان))؛ متفق عليه.

ووجه الدلالة من هذه الأحاديث: أن فيها منابذة الولاة بالسيف إذا لم يقيموا الصلاة، ومعلوم أنه لا يجوز قتال الولاة إلا إذا أتَوْا بكُفر صريح، عندنا فيه من الله برهان، كما في حديث عبادة، وهذا يدل على أن ترك الصلاة من الكفر الصريح الذي فيه برهان؛ لأنه أجاز قتالهم بترك الصلاة.

5. حديث عبدالله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن حافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بها، كنَّ له نورًا ونجاة وبرهانًا يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها، لم تكن له نورًا ولا نجاة ولا برهانًا يوم القيامة، وحُشِر مع فرعون وهامان وقارون وأُبَيِّ بن خلف))؛ رواه أحمد وابن حبان والطبراني.

ووجه الدلالة: أن انتفاء النور والبرهان والنجاة، وكونه مع فرعون وهامان وقارون وأُبَيِّ بن خلف يوم القيامة - كل هذا من أوضح الدلالة على الكفر بترك الصلاة.

6. حكم الصحابة بكُفر تارك الصلاة؛ فهو مرويٌّ عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمرو - رضي الله عنهم، بل روي ذلك عن ستة عشر صحابيًّا، أصحُّ ما جاء عن الصحابة بذلك هو ما جاء عن عمر - رضي الله عنه، وهو ما رواه عبدالرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله، عن ابن عباس قال: "لما طعن عمر، احتملته أنا ونفر من الأنصار حتى أدخلناه منزله، فلم يزل في غشية واحدة حتى أسفر، فقال رجل: إنكم لن تفزعوه بشيء إلا بالصلاة، قال: فقلنا: الصلاة يا أمير المؤمنين، قال: ففتح عينيه، ثم قال: أصلى الناس؟ قلنا: نعم، قال: أما إنه لا حظ في الإسلام لأحد ترك الصلاة، فصلى وجرحه يثعب دمًا".

7. ما نقل من إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة، ومن ذلك ما قال عبدالله بن شقيق العقيلي حيث قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركُه كفرٌ إلا الصلاة"؛ رواه الترمذي، ولا يوجد نص عن أحد من الصحابة يقول بعدم كفر تارك الصلاة، فإن كان هناك خلاف فإنما نشأ من بعدهم.

8. أن القول بكفر تارك الصلاة هو قول جمهور التابعين، بل حُكي الإجماع عنهم، كما روى ذلك محمد بن نصر المروزي من حديث حماد بن يزيد، عن أيوب بن أبي تميمة السَّختياني أنه قال: "ترك الصلاة كفرٌ لا نختلف فيه"؛[انظر: تعظيم قدر الصلاة للمروزي (978)]، والصواب أنه ذهب إلى عدم كفر تارك الصلاة جماعة قليلون، منهم: محمد بن شهاب الزهري، وحماد بن زيد، ولكن جمهورهم على كفر تاركها.

وهذا القول - أعني القول بتكفير تارك الصلاة تهاونًا وكسلاً - هو الأظهرُ والله أعلم؛ لقوة الأدلة في هذا وصراحتها، ويكفي منها حديثُ الباب وإجماع الصحابة.

وليعلم أن المقصود بتارك الصلاة هو تاركها بالكلية، وهذه هي الحال الأولى.

الحال الثانية: من يترك بعضها، بأن يصلي أحيانًا ويترك أحيانًا، فمثل هذا لا نكفره على الصحيح، خلافًا لمن قال به، بل نجري عليه أحكام الإسلام الظاهرة، فلئن كان المنافق المحض تجري عليه أحكام الإسلام فإن هؤلاء أولى وأحرى، ولا نكفرهم بهذا الفعل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بين الرجل وبين الشرك والكفر: ترك الصلاة))، ولم يقل: (ترك صلاة)، الذي يشعر بأن ترك أي صلاة يكفر بها، لكن اللفظ لم يكن كذلك، وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية؛ [انظر: مجموع الفتاوى (22/ 49)].

الحال الثالثة: أن يؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها المشترك؛ كالظُّهرين والعِشائين، أو فوت الفجر حتى تطلع الشمس، فلو أخَّر الظهر حتى خرج وقت العصر، أو أخر المغرب حتى خرج وقت العِشاء.

فمن أهل العلم من قال: إنه يكفر، ومنهم من قال: لا يكفر إلا بترك الصلاة دائمًا وهو الأظهر والله أعلم؛ لِما تقدم من لفظ الحديث؛ حيث قال: (الصلاة)، ولم يقل: (من ترك صلاة).

الحال الرابعة: أن يؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها إلى وقت الصلاة التي تليها؛ كأن يؤخر الظهر حتى يخرج وقتها ويدخل وقت العصر، أو يؤخر الفجر حتى تطلع الشمس.

فمن أهل العلم من قال: إنه يكفر، ومنهم من قال: لا يكفر إلا بترك الصلاة دائمًا، وهو الأظهر والله أعلم؛ لِما تقدم بيانه، وأيضًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((سيكون أمراءُ يؤخرون الصلاة عن وقتها، فصلوا الصلاة لوقتها، ثم اجعلوا صلاتكم معهم نافلة))؛ رواه مسلم.

وتقدم في حديث أم سلمة أنهم قالوا: "أفلا نقاتلهم؟ قال: ((لا، ما صلَّوا))".

ووجه الدلالة: أن الأمراء حفظ النبي صلى الله عليه وسلم دماءهم لأنهم يصلون، مع تضييعهم لوقتها بتأخيرها، وفي هذا دلالة على أنهم لا يكفرون؛ إذ لو كفروا لأذن بقتالهم،

إلا أن مؤخر الصلاة عن وقتها بغير عذر لا شكَّ في فسقه، وأن عليه إثمًا عظيمًا.

وأما حديث: ((مَن ترك صلاة مكتوبة متعمدًا، فقد برئت منه الذِّمة))، فرواه البخاري في الأدب المفرد وابن ماجه والبيهقي، وهو حديث ضعيف فيه شهر بن حوشب، قال ابن حجر: "في إسناده ضعف"، وقواه بعضهم لشواهده؛ [انظر: التلخيص الجيد رقم (810)، والأماني المطلقة ص (70) لابن حجر].

واختلفوا هل يقضيها إن أخرها من غير عذر حتى خرج وقتها؟ على قولين:
القول الأول: أنه يقضيها، وهو قول جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الأربعة، كما ذكر ابن القيم؛ [انظر: كتاب الصلاة ص (72)].

واستدلوا:
1. بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فدَيْنُ الله أحقُّ أن يقضى))؛ متفق عليه، والحديث مسُوقٌ في قضاء الصيام، لكن قالوا: يدخل في عمومه قضاء الصلاة أيضًا.

2. قالوا: لئن كان القضاء واجبًا على المعذور، كالنائم والناسي، فغير المعذور المفرِّط من باب أَوْلى وأحرى.

والقول الثاني: أن من أخر الصلاة لغير عذر لا يقضيها، ولو قضاها فإنها لا تقبل منه، وهذا من باب التغليظ عليه، وهو اختيار ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ ابن باز؛ [انظر: المحلى (6/ 183)، والاختيارات ص (109،34) ومنهاج السنة (5/ 223)، وفتاوى ابن باز (10/ 315)].

واستدلوا: بأن الصلاة مؤقتة بوقت؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103]؛ أي: مفروضة في أوقات معينة، قالوا: فإن كانت لا تصح قبل وقتها، ومن جاء بها قبل وقتها فهي مردودة عليه؛ لأنه عمل عملاً ليس عليه أمر الدين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ))؛ متفق عليه، فكذلك الحال فيمن صلاها بعد وقتها فهي مردودة عليه؛ لأن قضاء المتعمِّد لتأخيرها لم يأتِ فيه نص، إنما النص في المعذور.

ما تقدم هو خلاصة الكلام والاستدلال في حكم من فرط بالصلاة بترك أو تأخير.

قال ابن القيم بعدما بيَّن قتل تارك الصلاة بالكلية: "ومن العجب أن يقع الشك في كفر من أصر على تركها، ودُعِي إلى فعلها على رؤوس الأشهاد وهو يرى بارقة السيف على رأسه، ويشد للقتل، وعصبت عيناه، وقيل له: تصلي وإلا قتلناك، ويقول: اقتلوني ولا أصلي أبدًا"؛ [انظر: كتاب الصلاة ص (523)].

قال شيخنا ابن عثيمين: "والذي يظهر من الأدلة: أنه لا يكفر إلا بترك الصلاة دائمًا، بمعنى أنه وطن نفسه على ترك الصلاة، فلا يصلي ظهرًا ولا عصرًا ولا مغربًا ولا عِشاءً ولا فجرًا، فهذا الذي يكفر، فإن كان يصلي فرضًا أو فرضين فإنه لا يكفر؛ لأن هذا لا يصدق عليه أنه ترك الصلاة... ولأن الأصل بقاء الإسلام، فلا نخرجه منه إلا بيقين؛ لأن ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين"؛ [انظر: الممتع (2/ 28،27)].

مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الإيمان)


حد العورة من الرجل والمرأة في الصلاة

حد العورة من الرجل والمرأة في الصلاة


الحمد لله، وصلى الله على نبيه ومصطفاه، وبعد:
فظاهر مذهب الإمام مالك رحمه الله أن ستر العورة من سنن الصلاة، وذهب أبو حنيفة والشافعي رحمهما الله إلى أنها من فروض الصلاة.

يقول الله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].

فمنهم من حمل الأمر في قوله تعالى: ﴿ خُذُوا ﴾ [الأعراف: 31] على الندب، فقال بأن ستر العورة من سنن الصلاة، ومنهم حمل الأمر على الوجوب فقال بوجوب ستر العورة.

لكن!
ما حدُّ العورة من الرجل في الصلاة؟!
ذهب الإمام أبو حنيفة والإمام مالك والإمام الشافعي رحمهم الله إلى القول بأن حدَّ العورة منه - أي: الرجلِ - ما بين السرَّة إلى الركبة.

وقال بعضهم: العورة هما السَّوْءَتانِ مِن الرجل فقط.
وسبب اختلافهم في ذلك راجع إلى ما ورد في حديث جَرْهَد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الفخذ عورة)).

وورد حديث أنس رضي الله عنه الذي يقول فيه: إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حسر عن فخذه، وهو جالس مع أصحابه.

وقال الإمام البخاري رحمه الله: حديث أنس أسنَد، وحديث جَرهَدٍ أحوَط.

وما حدُّ العورة من المرأة في الصلاة؟!
أكثرُ العلماء على أن جميع بدنها عورة ما خلا الوجْه والكفَّين.
وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن قدمها ليست بعورة.
وذهب أبو بكر بن عبدالرحمن والإمام أحمد رحمهما الله إلى أن المرأة كلَّها عورة.

وسبب الخلاف في هذه المسألة راجع إلى ما فهمه الفقهاء من قول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ [النور: 31]، فمن رأى أن المقصود من ذلك ما جرت به العادة بأنه لا يُستر، وهو الوجه والكفان، ذهب إلى أنهما ليسا بعورة.

وما هو اللباس المُجزئ للمرأة في الصلاة؟!
دِرعٌ، وخِمارٌ؛ وهو المرويُّ عن عائشة وميمونة وأم سلمة.

فإن صلَّت المرأة مكشوفةً، أعادت الصلاة في الوقت وبعده، إلا أن الإمام مالكًا يرى أنها تعيد في الوقت فقط؛ وذلك لما رُوي عن أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا تصلي فيه المرأة؟! فقال: ((في الخمار، والدرع السابغ، إذا غيَّبت ظهور قدميها)).

ولما رُوي أيضًا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)).

والمقصود بالحائض هنا: التي بلغت المحيض؛ كما قال به عامة أهل العلم، والله تعالى أعلم.
وصلِّ اللهم وبارك على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.


امتثال أمر الله وعدم التعدي على محارمه

امتثال أمر الله وعدم التعدي على محارمه


عن النعمان بن بشير قال: سمعته يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أُذنيه: ((إن الحلال بيِّن، وإن الحرام بيِّن، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات، استبرأ لدينه وعِرضه، ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام؛ كالراعي يرعى حول الحِمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حِمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلَحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)).

وتخلو بالمعاصي وهو دانٌ إليك
ولست تخشى من لقاه 
أتعصي الله وهو يراك جهرًا 
وتنسى في غدٍ حقًّا تراه 
وتُنكر فعلها ولها شهود 
بمكتوب عليك وقد حواه 
فيا حزنَ المسيء لشؤم ذنبٍ 
وبعد الحزن يكفيه جزاه 
فيندب حسرة من بعد موت 
ويبكي حيث لا يجدي بكاه 
فبادر بالصلاح وأنت حيٌّ 
لعلك أن تنال به رضاه 

قال رجل لوهيب بن الورد: عظني قال: اتَّقِ أن يكون الله أهون الناظرين إليك!

رُوِي أن رجلاً في زمن ابن عباس نزل في قبر قد احتفره لنفسه، فوضع خذه على شفير[1] اللحد، وجعل ينادي: يا ويلتى، إذا دخلت في قبري وحدي ونطقت الأرض من تحتي، فتقول لي: لا مرحبًا ولا أهلاً، ولا سعة ولا سهلاً بمن كنت أمقته وهو على ظهري، فكيف وقد صرت اليوم في بطني لأُضيقنَّ عليك أرجائي ولأُذيقنك مكروه بلائي، ويلي إذا خرجت من لحدي حاملاً وزري على ظهري وقد تبرأ مني أبي وأمي، بل ويلي من طول كذبي إذا أسمعني منادي ربي أين فلان بن فلانة، فأبرزت من بين جيرتي وقد بدت إلى الناس سريرتي، وقمت عريانًا ذليلاً، وقاسيت كربًا طويلاً، ثم أُساق إلى أرض القيامة للعرض والوقوف بين يدي جبار السموات والأرض، ويلي إذا وقفت أمام ربي فقال لي: عبدي، استترت بمعصيتي عن المخلوقين، وبارزتني بها وأنا عليك من أكبر الشاهدين، أفكنت عليك من أهون الناظرين إليك، ثم خرَّ مغشيًّا عليه)[2].


[1] شفير.. حافة - يمقته.. يغضب عليه.
[2] بستان الواعظين ورياض السامعين؛ لابن الجوزي.




الرؤية وعورة النظر على القولِ الراجح والأحوَط

الرؤية وعورة النظر على القولِ الراجح والأحوَط


1- من جميع بدنِه ليس بعورة:
أ- الزوجة جميع بدنها ليس بعورة أمام زوجها، والزوج كذلك.

ب- أمَتُه القِنُّ وهي مِلْك يمينه التي تُباح له[1]، وأمُّ الولد، والمعلَّق عتقها بصفة، والمُكاتِبة، والمُدبرة، جميع بدنهن ليس بعورة أمام السيد.

ت- لا يجب على المرأة ولا الرجل التستر في شيء مِن الطفل الصغير غير المميز.

ث- الصغير دون سبع سنين، والطفلة الصغيرة ليس لعورته حكم.

2- من عورته الفرجان فقط:
أ- عورة الصغير ابن سبع سنين إلى عشر، والطفلة قبل السبع الفرجان.

3- من عورته ما بين السرة والركبة:
أ- الرجل عورته ما بين السرة والركبة - نص عليه أحمد، وهو قول الثلاثة وأكثر الفقهاء - وكذلك هي عورة العبد المملوك والمُبعَّض، والمكاتب، ومن بلغ عشرًا، والخنثى المشكل.

ب- الطفل الصغير المميز الذي يعقل ويعرف سواء كان ذكرًا أم أنثى يَستُر الرجل منه ما دون السرة إلى الركبة.

ت- الأمة المُستامة وهي المطلوب شراؤها، فلمن أراد شراءها النظر إلى ما فوق السرة وتحت الركبة، وقيل ينظر منها ما يباح نظره من المخطوبة.

4- مَن عورته ما يُستَر غالبًا وعادة:
أ- المراهقة، والمميزة، والأمة القِن، وأم الولد، والمعلق عتقها بصفة، والمكاتبة، والمدبرة عورتهن أمام الرجال الأجانب، والطفل المميز الذي يعقل ما يستر غالبًا وعادة.

ب- المرأة، والمراهقة، والمميزة، والمعتق بعضها كل أبدانهن عورة إلا ما يظهر غالبًا وعادة في بيتها، وذلك أمام الرجال المَحارم، والنساء المسلمات، والنساء الكافرات، ومملوكها الخالص أو المشترك، والتابع غير أولي الأربة، وهو: مَن لا يكترث للنساء ولا يَشتهيهن قد ذهبت شهوته لكبر أو عُنَّةٍ، وكالأبله والأحمق الذي لا أرب له في النساء، ونحو ذلك.

ت- العجوز من القواعد، وهي التي لا تُشتهى فكلها عورة على الأجنبي إلا ما يظهر غالبًا وعادة، وفي معناها الشوهاء التي لا تُشتهى.

ث- قال بعض العلماء:
 حكم المرأة في النظر إلى محارمها حكمهم في النظر إليها؛ أي: إلى ما يَظهر غالبًا.

5- وفي النظر إلى غير محارمها حكمهم في النظر إليها؛ أي: لا يباح النظر إليه، والأظهر أن المرأة تَنظُر - بلا تسديد - من الأجنبي إلى ما يظهَر غالبًا.

6- مَن عورتها جميع بدنِها:
أ- الأمة الحسناء الجميلة يجب عليها أن تَحتجِب عن غير سيدها كما تَحتجِب الحرَّة.

ب- المُعتَق بعضها كالحُرَّة.

ت- المرأة، والمراهقة التامة الخلقة القريبة من البلوغ، والخُنثى المشكل، جميع أبدانهن عورة، ويدخل بالأولوية الوجه أمام الرجل والخنثى والخصي والمَجبوب من غير محارمها، لكن يجوز:
 للطبيب، ومن في معناه، كمَن ابتُليَ بخدمة مريض أو مريضة، أن ينظر من بدن المرأة وعورة الرجل إلى ما تدعو الحاجة إلى كشفه ومداواته حتى الفرْج.

 وللخاطب أن ينظر من المخطوبة إلى ما يدعوه إلى نكاحها مما يظهر غالبًا وعادة.

 وللشاهد أن ينظر إلى وجه المرأة إذا دعَتِ الحاجة.

 وللمُعامل - على ما ذكره بعض الفقهاء - أن ينظر إلى وجه مَن يعاملها في بَيع إذا دعت الحاجة إلى معرفتها وليس ثمَّ سبيل آخر، ما لم تكن شابَّة، والأظهر ترك مثل هذا، والله أعلم.

هذا، وقد أمر الله - جل وعلا - بغض البصر؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ [النور: 30، 31].

ويُشترَط في إباحة النظر - فيما تقدم كله - أن يكون بلا لذَّة وشهوة، ولا خوف فتنة، وكلما حقق العبد الحياء فستَرَ ما يُستحَبُّ سترُه فهو أفضل عند الله - جل وعلا.

والحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتمَّ علينا النعمة، ورضيَ لنا الإسلام دينًا


[1] قال في كشاف القناع (1:265): خرج بالمباحة: المجوسية ونحوها، والمزوَّجة، والمعتدة، والمستبرأة من غيره، وقال في معونة أولي النهى (9:30 - 31): وينظر السيد من أمة مزوَّجة، وينظر مسلم من أمته الوثنية والمجوسية إلى غير عورة.



 
جميع الحقوق محفوظة © 2015 الداعية الأزهري . محمد طلعت القطاوى

تعريب مداد الجليد